الخميس، 27 يناير 2022

قصة الإنزلاق بقلم/مصطفي الحاج حسين

 /// مصطفى الحاج حسين .


                         قصة : الإنزلاق  ..


          ما إن وصلت الحافلة ، حتّى تدفقت جموع

الركاب للصعود من كلا البابين ، ثمّة عدد من الفتيان الأشقياء ، تسلٌقوا أطرافها وتسلّلوا من نوافذها .


   اتخدت مكاني في المنتصف ، وقد أمسكت يسراي

الكرسي ، المشغول بامرأة ورجلين ، و كانت يمنايّ تحمل كتاباً وجريدة ، بالقرب منّي كانت تقف فتاة شقراء ،تشبه الشّقراوات اللواتي يظهرن في أحلامي بكثرة .


     مذهلة القوام ، لم أتبيّن ملامح وجهها بسبب وقفتها الجانبية ، تمنيت أن أرى عينيها ، فتاة مثلها ذات شعر أشقر مسدل ، لابدّ أن تكون صاحبة أجمل

عينين .. توقفت الحافلة عدّة مرات ، وفي كلّ مرّة كان عددالركاب يتزايد ، ورائحة الحموضة تشتد وتتزاحم الأنفاس والأجساد ، حتى وصلتُ إلى ظهر تلك الفتاة ، وبات جسدي ملتصقاً بها ، وخصلات شعرها أخذت تحطّ على وجهي ، كلّما استطاعت نفحة هواء أن تصل إليه .


    خطر لي أن أبتعد عنها ، فقد تسرّبت إلى نفسي

رائحة الأنوثة ، التي حرمت منها ، تلفّت حولي لعلّي أجد مكاناً أوسع لي ، ولكن إلى أين ؟.. وهذه الوقفة المريحة، وهذا الجسد اللدن يدعوانك للاقتراب أكثر .


   الحافلة تهتز وتفرمل وتمشي ، وعلى هذه الأنغام ،

كنتُ أنعمُ بالالتصاق خلف تلك السّاحرة ، وأتلفّت حولي بين اللحظة والأخرى ، خوفاً من أن يكون قد أحسّ بحركاتي أحد الركاب .


وفكرت :


– لماذا لا أتخذ موضعاً أكثر اثارة ، ولن يلحظني أحد ؟!..


     وهي لن تمانع .. يبدو أنها معتادة على مثل هذا الزّحام ، لكن هاجساً بداخلي أجابني :


– ماذا تقول ياأستاذ ؟! .. أتعود مراهقاً من جديد ، ألا تخجل !؟.


     لم أعثر حولي على مكان غير مكاني ، الازدحام

يزداد .. والمسافة إلى محطة الوصول بعيدة ، و فاتنتي تقف ساكنة لا تلتفت ، كانت سارحة خلف الزجاج .


– لا تكن جباناً وأحمق ، لماذا لا تنعم بهذه اللحظات

الدافئة !!.. ليت الطريق يطول أكثر ، وليت هذه الغادة الشقراء لا تنزل أبداً ..طوال عمرك وأنت تحلم

بالشقراوات ، والحياة تضنّ عليكَ بامرأة ، مجرد امرأة ، فكيف شقراء ؟!.. إذاً اغتنم هذه اللحظات

شدّ عليها ، اجذبها إليك ، ولا تدعها تفلت .


         أمامك سنوات ستقضيها وحيداً دون امرأة تشاركك فراشك .. تزوّد بالدفء الآن ، بالأنوثة .. بنعومة الشعر .. بنضارة العنق الذي تكاد شفتاك تنقضان عليه .. تزود بلمسة ، فأمامك ليل طويل ، بمكنك عندها ، أن تتذكر هذه اللمسات ، وتستحضر هذه الناعمة ، وتبدأ بممارسة عادتك الجهنّمية ، وحيداً ستكون ، تتلوّى في فراشك ، تزأر عروقك بالشّهوة ، تستعر أنفاسك ، ونبض قلبك محترقاً .. خذ لمسة من عجيزتها .. لمسة واحدة … تكفيك طوال العمر .


     أمر زواجك مستحيل ، ربما بعد خمس سنوات ..

وأنت تشارف على الأربعين ، تستطيع أن تفكر .. أنت فقير وراتبك تتلقفه أمك وشقيقاتك ، منذ أول الشهر ..لولا فقرك هذا لما وافقت أمك على طلب يد ” فطوم ” ابنة أخيها .. آهٍ فطوم .. سمراء بلون الصدأ ، قصيرة مثل برميل ، وعيناها ثقبان بجفون مبطّنة ، وشعرها كأسلاك شائكة ، فمها واسع التكشيرة ، وأنفها ضخم مكتنز .


قلتَ حينها في نفسك :


– فطوم .. أفضل من لا امرأة ، والنساء على أية حال متساويات فوق السّرير في الظّلام ، وهكذا ذهبت مع أمك وأخواتك العوانس الخمس ، لطلب يد ” فطوم ” …وكم كانت المفاجأة قاسية عليك ، إذ طلب خالك منكم ، أن يكون سكنك وحدك ، بعيداً عن أمك وشقيقاتك العوانس ، وعليك أن تدفع مئة ألف ليرة للمقدم ، ومثلها للمؤخر ، عدا ثمن الذهب خمسين ألف ليرة .. إذا كنت فعلاً راغباً بفطوم .


      انعم إذاً بهذه الشقراء .. اقترب أكثر .. التصق ،حرّك فخذيك قليلاً ، وتحسّس بيدك عجيزتها

المكتنزة ، تحسّس ولا تخف ، فالكتاب والجريدة كفيلان بالتمويه .. اقترب واياك أن تحدثني عن الأخلاق ، أما يكفيك أنّك كلٌ يوم لا يتوقف لسانك عن ذكر الأخلاق الحميدة والفاضلة أمام طلابك؟ ماذا جنيت من كلّ ذلك ؟ هل نفعتك ؟ .. كل ما تستطيع فعله هو أن تحترق ، أمام وسحر وجمال طالباتك .. إذا كنت تعدّ نفسك إنساناً مثقفاً وموضوعياً فعليك أن تعترف بأنك رجل مكبوت ، والجنس ضروري في حياة الإنسان ، فلماذا تمنع نفسك عن اللذة ؟ …


      بالأمس تهربت من الآذنة أم ” محمود ” بحجة أنها كبيرة ، وتعمل آذنة في الثانوية ،إذاً ماذا تفعل وقد ثبت فشلك مع زميلاتك المدرسات ، عجزت عن اقامة أي علاقة باحداهن ، والسبب هو أخلاقك الفاضلة … إنك لا تعرف الخداع ، كلما تعرفت إلى واحدة صارحتها بحقيقة وضعك المادي .. وتهرب منك .


في هذه اللحظة وجدتني ضعيفاً مستسلماً لشهوتي

الحقيرة ، وها أنا أمدّ يدي الراعشة ، لتتحسّس ما تصبو إليه ، وبسرعة غير متوقعة ، التفتت فاتنتي إلى الخلف ، والصرخة ملء فيها .. وياللهول !! .. كم كانت المفاجأة عنيفة وقاسية ، كظمت صرختها والدهشة المتجمدة على قسمات وجهها وعينيها الجزعتين :


– لا .. لا هذا ليس معقولاً .. شيء لا يصدق ،

مستحيل .. لا يعقل أن تكون هذه الشقراء احدى

طالباتي ، في الصف الحادي عشر ؟!


       رباه لا بدّ أني في حلم .. هذه الشقراء أعرفها جيداً ، إنها ” نوران ” أكثر الطالبات اجتهاداً ، تعتني دوماً بجمالها الآخاذ وذكاؤها عال وبديهتها سريعة ، أعرف أنها تكن لي فائق الاحترام ، وهي تحبّ مادة الفلسفة .. ومرّة سألتني :


– لماذا ياأستاذ يكون مدرسوا الفلسفة إنسانيّن وطيّبين كثيراً ؟ .


   في تلك اللحظة سررت كثيراً من سؤالها ، اعتبرت

كلاًمها مغازلة غير مباشرة ، ألستُ أحد مدرسي

الفلسفة ؟ .. إنها تقصدني إذاً ، تمنيتُ أن أتقدم وأطلب يدها ..لكنّ فقري سرعان ما قفز ومزّق فارق

السّن الأحلام .


    في احدى المرات أخبرتني بأنّها تتمنّى أن تختص

في الفلسفة ، فهي معجبة بسقراط الحكيم وبحكمته

ولكنها كانت تفكر بالطريقة التي تقنع أهلها ، ففرع

الفلسفة غير موجود في جامعة حلب ، عليها أن تذهب إلى جامعة دمشق ، وهذا ماسوف يمانعه والدها .


عندما التفتت ، كان ذلك الشعور الذي ارتكبني أكبر

من الخجل ، إنه شعور بالعار والاثم والفضيحة ، شعور جعلني أنكر ذاتي ، لقد سقط القناع عنّي أخيراً 

واكتشفت مدى ما آلت إليه قدرات الشهوانية عندي ، إنّي بكل بساطة أنقسم إلى إثنين : مدرس فلسفة يتشبث بالأخلاق والفضيلة ،وحيوان شهواني عبد وضيع لشهواتي . تمنيت لو تنشق أرضية الحافلة فأسقط وأضيع .. أموت .. لعلي أنتهي وتنتهي ” نوران” أيضاً .


    ابتعدت عنها ، تراجعت عن نظرة الاشمئزاز ، التي

قذفتني بها ، اندفعت بقوة نحو الباب،أخذت طريقي

بصعوبة بالغة ، ومن شدّة توتري وشعوري بالخزي ،

دهست قدم طفلة تمسك بأذيال أمها ، التي تحمل

رضيعها ، فانبعث صراخ الطفلة فاغرة ببكاء حاد ، تابعت انهزامي غير عابئ بالنظرات الشذراء.. وقفزت عند أول موقف .


  غداً كيف سأواجهها في الصّف ؟ .. لابدّ أنها ستبلغ

عني زميلاتها الطالبات .. وسيتبرّعن بدورهنّ لنشر

الخبر ، وربما تسّربت الفضيحة إلى بقية الثانويات

الموزعة ساعاتي فيها . ثمّ ماذا لو ذهبت ” نوران ”

وأخبرت والدها ؟ .. حتماً سأجده غداً بانتظاري عند

المدير ،  الذي يعتبرني أفضل المدرسين عنده ،

ياللفضيحة .. سيخبر المدرسين والمدرسات ، بما

اقترفته.


 سرت في الطريق ساهماً ، قلبي بنزف ألماً وخجلاً ،

ودمعتي تكاد تقفز من عيوني ، كان عليّ أن أعرفها منذ النظرة الأولى ، فهي من أحبّ الطالبات إلى قلبي ، فكم من مرة حلمت بها ، وعرّيتها من ” بدلة الفتوة ” . كيف لم أعرفها !؟ .. ألأنها كانت ترتدي كنزة صفراء وبنطال الجنز !! .. أم لأني لم أر وجهها ؟؟ ..

 كان غباء منّي .. ولكن ما حصل قد حصل .


     عليّ أن أطلب نقلي من الثانوية منذ الغد ، وإذا

وجدت الخبر منتشراً في الثانويات ، سأطلب نقلي إلى الريف ، أو ربما قدمت استقالتي .


    وعندما عدّت إلى منزلي متأخراً .. كانت المفاجأة

تنتظرني ، نعم لقد وافق خالي أن يزوجني ” فطوم ” مقابل أن أسجّل لها نصف دارنا .. وسيكتب المقدّم عليّ مئة ألف غير مقبوضة ، ومثلها للمؤخر .


وما كان بمقدوري إلّا أن أوافق .. فأنا فقير ومسؤول

عن أسرة ، وليس من حقي أن أحلم بفتاة شقراء ، يجب أن أتخلى عن الرومانسية ، فالفقر والجمال عدوان لا يجتمعان … سأتزوج من ” فطوم ” .. وعندها أنام معها سأطفئ النور ، وفي الظلام كل شيء متساو ومتشابه ، فالظلام نعمة يجب أن نحافظ عليه .


                    مصطفى الحاج حسين .

                              حلب ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

آه وآه يازمن للمبدعة/مها بركاااات

 ،،،،،،،، آه وآه يازمن،،،،،،،  @@@@@@@@@ آه منك يازمن.. ياللي ملكش أمان كم واحد فيك صالح... وللعِشرة صان كم واحد فيك تمام... راهنت عليه يازم...