وَ ..... سَقَطَ المَعنَى
كَانَ يَجْلِسُ مُنْهَكَاً فَوقَ رُكَامِهِ الإِنسَانِي ، فِي تِلكَ الزَاوِيَةِ المُظْلِمَةِ مِن رُوحِه ، و عَيْنَيْهِ تُرَاقِبُ تَأَمُلاتِهِ التِي تُلَازِمُ ذَاكَ النِدَاء ، يَأْتِيْهِ مِن دُمُوعِ جَدَاوِلِ الفَوْضَى التِي يَعِيْش ، و هُوَ يَعْلُو صَارِخَاً مَعَ انْسِيَابِ أَوَلِ شُعَاعٍ مِنَ النَورِ ، يُطِلُّ عَلَيْهِ بِضَعْفٍ و رَغْبَةٍ مُتَقَلِبَةٍ ، كَيْ يَمْضِيَ نَحْوَ احْتِضَارِ الأُمْنِيَاتِ و الأُغْنِيَات ، فَيَصْعَدُ مَرْكِبَ الوَقْتِ بِثَوَانِيْهِ البَطِيْئَةِ و المُبْهَمَةِ ، دَاخِلَ مَجْهُولِ عَوَالِمِهِ الدَاخِلِيَّةِ و مُتَسَارِعَةً و جِدَاً فِي خَارِجِهِ الذَي يَعْتَزِل ، مُسَافِرَاً نَحْوَ فِكْرَةٍ تُقِيْمُ فِي عَرَقِ جَبِيْنِ أَنَاهُ الآخَر ، كَمَوْجَةِ مَدٍّ و جَزْرٍ تُغَالِبُ يَقِيْنَ قَنَاعَاتِهِ بالطَبِيْعِي ، و فِي السُؤَالِ عَنِ الإِجَابَةِ التِي مَزَّقَهَا كَلَامُ الأَثِيْرِ النَاعِمِ يُخَاطِبُهُ مِن كَفِّ يَدِهِ ، فَتَتَشَقَقُ مُفْرَدَاتُ الجَمَالِ عَن صَوْتٍ مُوحِشٍ يُزَاحِمُ هَذا الصَبَاحَ و كُلَّ صَبَاح ، و لَن يَنْتَظِرُ طَويْلَاً عِنْدَ بَابِ قَلْبِه ، اليَشْكُو عَدَمَ تَلَاحُمِهِ مَعَ حَبَةِ مَطَر ، تُرَمِمَ رُوحِهِ التِي تَشَظَت مُرهَقَةً و هُوَ يَبْحَثُ عَنْهَا لِيَجِدَ نَفْسَهُ ، و تُنْبِتَ زُهُورَهَا الذَابِلَةِ مِن وَطْأَةِ العَيْشَ دُونَ أَن يَعْرِفَهَا ، فِي لَيْلَةِ عِشْقٍ عَاصِفَةٍ بِالوَلَهِ المُثْقَلِ شَوقَاً لِلرَبِيْعِ الطَلْق ، أَو لِيَجُوزَ الفَضَاءَ بِأَنْغَامِ لَحْنٍ جَدِيْدٍ ، يَسِيْرُ مُنْسَرِقَ الخُطَى لِيَفْتَحَ قَلْبَهُ ، و تَنْتَهِيَ رِحْلَةُ ( الأَحْلَامِ ، الاَوهَامِ ، الهَذَيَانِ ، الجُنُونِ ، المُجُونِ ) هَذِه .
مَرَّتِ السَاعَاتُ مُضْنِيَةً قُرْبَ شَاطِيء ِ فَجْرِهِ ، الذِي يَمْلَؤُهُ الفَرَاغُ أَو رُبَمَّا طُمَأَنِيْنَةُ الضَيَاعُ ، بِنَهْرٍ أَسْوَدٍ مَا هُوَ إِلَّا مِدَادُ خَيَالِهِ الجَامِح ، و حِيْنَ تَخْذِلُهُ نَوبَةُ هُدُوءٍ تَجِدُهُ أَصْبَحَ لَا يَقْوَى عَلَى عِبْءِ نَفَسِهِ ، وَقْتَذَاكَ تَتَوَقَفُ عَصَافِيْرُ الدُورِيِّ عَن لَغْوِهَا ، و تَتَنَهَدُ الرِيْحِ بِتَأَفُفٍ مُتْعَبَةٍ ، لِتُسْدِلَ السِتَارَ عَلَى لَيْلَةِ أَرَقٍ ضَجٓرٍ ، رَاوَدَهُ المَوْتُ فِيْهَا مِرَارَاً عَلىَ سَمَاءٍ غَصَّت مُتَلَبِدَةً بِالغُيُوم ، كَثَفَتْهَا ذَبْذَبَاتُ أَمْوَاجِ ثَرْثَرَتِهِ ، هُوَ - الذَاتُ - الإِنْسَانُ فِي كُلِّ مَكَان ، فَتَرْتَسِمُ عَلَى وَجْهِهِ ابْتِسَامَةً سَاخِرَةً ، مُتْعَبَةً ، مُؤْلِمَةً و مُوجِعَةً ، لَمَّا قَالَ بَيْنَهُ و بَيْنَ نَفْسِهِ : مَا بَعْدَ الإنْسَانِيَّة !!! ، و اتْبَعَ يُهَمْهِم : عِشْتِهَا قَبْلَ سَنَوَات و تَأَرقَمْتُ بِجَدَارَةٍ ، و الآن ... صَمَتَ قَلِيْلَاً شَارِدَ االنَظَرِ فِي لَا شِيء ، ثُمَّ تَكَرَرَتِ الابْتِسَامَةُ و هُوَ يَقُوْلُ فٓي نَفْسِه : و الآن ، مِهَيَأٌ و جِدَاً كَي أَتَكَوْتَمَ ، أَرَانِي بِالحِمْضِ الأَمِيْنِيِّ الرَايْبُوزِي و قَد أَصْبَحَ غَيْرَ مَنْقُوصِ الأُكْسِجِيْن أَفْضَلُ مِن كِلِّ الرَخَوِيَات ، و رَاحَ يَجْذِبُ بِشَغَفٍ وَ وَجْدٍ خَيْبَتَهُ المُلْتَصِقَةِ بِجُدْرَانِ السَهَر المُسْتَاءَةُ مِنْهِ ؛ هَكَذَا شَعَرَ وَ هُوَ يَرْفَعُ حَولَ نَوْبَةَ نُعَاسِهِ صَرْحَاً مِن أَنِيْنٍ صَاخِب ، يَسْمُقُ مُتَطَاوِلَاً لَحْظَةً تِلوَ أُخْرَى فِي أَعْمَاقِه ، مُتِيْحَاً لَهُ أَن يَعْرِفَ بِأَنَّهُ مَا يَزَالُ هُنَا ، في الصِرَاعِ بَيْنَ الطَبِيْعِيِّ و اللَاطَبِيْعِي ، بَيْنَ الإِنْسَانِيِّ و البَهَائِمِيِّ فِيْه .
هَكَذَا كَانَ لَهُ حُرِيَّةٌ فِي عُزلَتِه لَا يُكَدِرُ صَفْوَهَا ، سِوَى حَلَقَاتُ قَيْدِ شَطَطِهِ الفِكْرِيِّ ، تَتَأَجَجُ طَعَنَاتٍ قََاسِيَّةٍ عَلَى شَكْلِ صُدَاعٍ ، يُفَتِتُ مَا تَبَقَى مِن نِيُورَانَاتِ دِمَاغِهِ ، تَجْعَلُهُ يَشٔعُرُ بِأَنَهُ لَا يَشْغَلُ إِلَّا حَيِّزَاً أَصْغَرُ مِنْ نُقْطَةِ حَرْفِهِ المُتَرَنِحِ اسْتِحْيَاءً ، و بِكُلِّ مَا يَتَيَسَرُ لَهُ مِن احْسَاسٍ بِِوِجُودِه فِي المَكَانِ و الزَمَان ، يَنْسَابُ قَلَمُهُ لَا لِيَكْتُبَ غَزَلَاً بِتَفْعِيْلَاتِ الهَزَج ، لِمَحْبُوبَتِهِ التِي تَبْعُدَ عَنْهُ عُصُور ، فَقَط لِيَرسُمَ كَلَامَاً يِبْقِيْهِ عَلَى صِلَةٍ قَلِيْلَةٍ بِنَفْسِه ، تَشُدُهُ إِلى الحَيَاةِ هُنَا حَيْثُ يَتَجَزَأُ العَالَمُ عَالَمَيْن ، فِي المَدى الرَحِيْبِ مِنْ عُمْقِ الفِكْرَةِ ذَاتِهَا ، و يَضِيْقَانِ عَلَيْهِ فِي أَيَّةِ لَحْظَة ، كَي يَتَأَنَى لَهُ جَعْلَ قَلْبِهِ يُثْمِرُ إِرَادَةً ، حِيْنَذَاكَ يَتَفَقَدُ صَوْتَ الأَنَا الصَاخِبِ فِي كُلِّ الأَرْجَاء ، لَائِذَاً بِلَذَةِ تِلكَ الفِكرَةِ المُغْبَرَةِ بِأُفُقٍ عُرِيَّ حَتَّى مِنْ سَحَابَةٍ مُشْبَعَةٍ بِرُطُوبَةٍ فِطْرِيَّة .
شَقَّ جَنَبَاتِ الظَلَامِ بِإِلهَابِ عَيْنَيْهِ مِن بَرِيْقِ صَمْتِهِ اليَائِسِ ، لَكِنَّ الزَمَنَ يَوَدُّ البَقَاءَ مُنْتَظِرَاً بُكَاءَ قَلبِهِ المُجْهَدِ بِأَمَلٍ عَقِيْم ، فَيُخَاطِبُ نَفْسَهُ : كَثُرَتِ الآلِهَةُ مَا بَعْدَ بَعدَ الحَدَاثَةِ ، ٱِذَاً سَيُبْعَثُ زِيُوسُ مٓنْ جَدِئدٍ و يَضْرِبَ بِيَدٍ مِن حَديْد ، و يِعِيْدَ تَرتِيْبَ الأُمُوْرِ فِي سُطُور ، تُرَاهُ يَعْلَمُ عَن الرحْلَةِ المُسْتَمِرَّةِ هَذِهِ ، و التِي لَيْسَ لِي فِيْهَا غَايَةٌ أَو نِهَايَة سِوَى أَنَّنِي حَرْفُ البِدَايَة .
شَخْصٌ مِن غُمَارِ النَاسِ مَجْهُولٌ مِن نَفْسِه ، و حِيْنَ يَعْثُرُ عَلَيْهَا مُصَادَفَةً ، مَنْثُورَةً بَيْنَ هَنَاءآتِ الأَيَامِ السَعِيْدَةِ و العَادِيَّةِ و المَنْسِيَّة ، يَهْتِفُ بَاسِمَاً : أَنَا هُنَا ، أَنَا هُنَا ... و النَحْنُ أَيْضَاً هُنَا !!! ، فَلتُصْغِي الأَرْضُ إِلى أَصْوَاتِنَا المُؤْتَلِفَة ، فَعِندَمَا نُدْرِكُ بِأَنَّ الشَهْدَّ لَا يَكْمُنُ إِلّا فِي أَكْمَامِ الٱَزْهَار ، نُلْفِي بِأَنَّنَا ذَاهِبُونَ إِلى حَيْثُ لَا نَدْرِي ، و نَنَسَى مَن كُنَّا و مَتَى كُنَّا ، و يَسْقُطُ المَعْنَى تَمَامَاً .
سامي يعقوب .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق