🌹(من الذاكرة البعيدة)🌹
🌹(..2..)🌹
وجاء يوم الفراق عن ولدي.... فلا بد من السفر لتكملة ما بدأته من عمل في تلك البلاد البعيدة....
والتي كانت لا تطاق في جوها الحار جداً والمملوء بالغبار والرطوبة وزيادة على ذلك ظروف حياتها الصعبة...
فلا بد لي من الرحيل.....
كم كان الفراق صعباً وكأن ذاك النور الذي كان يبعثه وجه ابني في قلبي قد انطفأ ولم يعد له وجود في قلبي وروحي...
نعم وكأنني مرآة انكسرت.. وضاع منها صفاؤها ولمعانها....
هكذا روحي انكسرت... وضاع ما بقى منها من لمعان وصفاء...
نعم... هكذا حكمت الظروف وارتسمت أمامي للإنكسار والإستسلام...
فليس لي قوة لمواجهة ذاك الإنكسار... وذاك الإنطفاء..
وكان لا بد لي من متابعة المسير في حياتي.. لعلي أستطيع أن أنهض من إنكساري من جديد لبناء وحماية أسرتي من كل الظروف الصعبة في الدنيا بأسرها.. نعم... نعم لا بد لي من الإستمرار....
ومضى عام آخر... وكنت في دوامي معلمة في الصباح والمساء.. في ذاك العام.. متسلحة بسلاح الصبر والصمت.. دون شكوى أو كلل.. وكأنني آلة لا تتوقف عن العمل..
ودعائي الدائم والوحيد.. أن ينتهي هذا العام بسرعة... وكانت حساباتي فقط.. في انتظاري للرسائل من الأهل ومن الإبن للإطمئنان عن أحوالهم......
وأنا مستمرة بكل ما أوتيت من قوة.. وعلى أمل واحد وهو لقاء الأحبة ومهجة قلبي ولدي الحبيب.. فقط..
بقيت على هذه الحالة طيلة أيام وليالي السنة.. ومرت السنة بكل ما فيها.. من ألم وحنين.. من قلق وخوف.. ومن ارتباك وسهر.. أعيش وكأنني في عالم مختلف يدور في حلقه مغلقة بعيدة عن كل ما يدور من حولها....
ولله الحمد... وبعد طول انتظار ينتهي العام الدراسي.....
وعدت إلى الوطن.. كالطائر الذي لف وطار في كل أرجاء المعمورة.. ولكنه حزين لم يجد له في الكون مؤنس ولا ونيس....
حتى أتت اللحظة التي قابلت ورأيت عيني ابني الجميلتين وضحكة وجنتيه... التي تساوي عندي الدنيا بأسرها وبكل ما فيها... لتتلاشى كل متاعبي ومعاناتي في لحظة احتضانه وتقبيله بين يدي وكأنني أحضن كوكباً درياً سقط عليّ من السماء.... نعم تلاشى وذهب عني كل شيء... وكأنه لم يكن..... نعم وكأنه لم يكن...
كم يعاني الآباء والأمهات في سبيل أبنائهم...
جزى الله عنا والدينا خير الجزاء...
بقيت هكذا في شردان ذهني وفكري وما استيقظت من هذه الذكريات... إلا على صوت جرس بابي معلناً... وجود أحد على بابي....
واذا به ابني حضر لزيارتي ومعه أبناؤه...
نظرت اليه بكل الشوق والحنين...
وكل الحب لأحفادي وكأنهم حضروا عندي بعد غياب دام طويلاً....
هكذا كانت مشاعري لهم في ذاك اليوم....
🌹(الكاتبة:سعاد زقوت)🌹
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق