قصة قَصِيرَة
العنوان/ أَمْواج الضَّيَاع
= = = = = = = = = = =
_ كَم سَيَكُون وَلَدِي الَّذِي فِي أحشائك مُنْعِمًا ، سنحتضنه بَرْقَة الْأَبَوَيْن وحنان قُل نَظِيرِه ، الْأَمَل مَعَه وَبِه سَيَكُون أَبْوَابِه مُفَتَّحَة .
كَانَتْ هَذِهِ آخِرُ كَلِمَات زَوْجُهَا قَبْلَ اعْتِقَالِه فِي لَيْلَةٍ بِلَا قَمَر ، عِنْدَهَا ذَاب فِي زَحَمَه الصراعات الْخَفِيَّة .
كَادَت التِّسْع الْعِجَاف مِنْ شُهُورِ حَمْلِهَا تَنْتَهِي وَهِيَ مَعَ أَهْلِهَا قَالَت لِأُمِّهَا :
_ داست أَقْدَام الْحِقْد عَلَى أفراحي ، اِخْتَفَت قَنَادِيل السَّعَادَة قَبْلَ الْأَوَانِ ، انْتَهَت أَناشِيد الْعِشْق عَلَى أرصفة الْقَسْوَة ، عَقْد الْهَوَى الْجَمِيل تفرطت حَبَّاتُه ، اجْتَمَعَت كُلّ الْآلَام لتشن هجوماً حاقداً عليٌ ، لَكِن عزائي الْوَحِيد طَفْلِي الْمَوْعُود .
قَالَت أُمِّهَا وَهِيَ تُخَفَّف عَلَيْهَا مصائبها :
_ لَمْ تَبْقَ إلَّا أَيَّام لَنَرَى مَا يخبئه سَمَاء برجك ، لَيْت النَّحْس يُفَارِق أحلامك ، حَبَّات الْمَطَر سَتَنْزِل عَلَى رُوحَك لتروي ظَمَأ الْفِرَاق ، عِنْدَهَا سَيَكُون لَك أَمَلٌ تعيشين لِأَجْلِه .
بَعْدَ عِدَّةِ أَيَّام أَحَسَّت الفَتَاة فِي سَاعَةٍ مُتَأَخِّرَةٌ مِنْ اللَّيْلِ بِالْأُمّ الْمَخَاض ، اخْتَلَطَت اوجاعها مَع سعادتها مَع خَوَّفَهَا مِنْ الْمَجْهُولِ حَدَثَت جَنِينَهَا العَالِق بأحشائها :
_ترجل أَيُّهَا السَّاكِن فِي الرُّوحِ المتوجعة ، تَعَال كَي تَحْمِل صَوْتِي الخَافِت وَلِوَاءٌ أَبِيك الْمَغِيب ، أريدك تَلَجَّم الْأَلْسُن الثرثارة .
بَيْنَمَا هِيَ تَعِيش وَجَع الْمَخَاض وعسرة الْوِلَادَة بِقُوَى منهكة وَجَسَد مُتْعِب نَحِيل ، تَعَالَت صرخاتها فَحَمَلَهَا أَهْلِهَا إلَى الْمُسْتَشْفَى .
دَخَلَت لِدَار الرَّحْمَة وملائكتها كنٌ نائمات ، تسابقت الْأَيَادِي لِتَطَرُّق عَلَى الْأَبْوَابِ الْبَارِدَة الْمَلاَمِح ، أَكْثَرْت مِنْ صيحاتها لَعَلَّهَا توقظ الضَّمَائِر الَّتِي بَدَت فِي سُبَاتِ ، جِين بِخُطًى مُتَثَاقِلَة وَقُلُوب يَبْدُو عَلَيْهَا الْقَسْوَة ، لَكِنْ كَانَ هُنَاكَ مَنْ أَشَدِّ مِنْهُمْ عنفاً أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُتَوَاطِئ ، بِمُجَرَّد نُزُول الْوَلِيد سَكَتَت أَصْوَات القابلات ، الطِّفْل وَلَد ميتاً لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَد إنْقَاذِه ، خَرَج الْكَادِر ليصعق الْجَمِيع بِهَذَا النَّبَأ ، فَكَان يوماً أخراً مِنْ الْعَذَابِ فِي طَيَّات عُمْرِهَا المهدور .
لِمَا عَرَفْت الفَتَاة بِالْخَبَر عَلَا بُكَائِهَا فراحت تُخَاطَب وَلَدِهَا الْمَيِّت :
_ ستتركني أَعِيش أَمْواج الضَّيَاع وَحَيْدَة ، ارْتَضَيْت أَن أَبْقَى أرتل أَنْغَام حُزْنِي السَّرْمَدِيّ ، هَا أَنَا زُهْرَة عَبَثٌ الزَّمَن باوراقها قَبْل الْخَرِيف ، لَم الدَّهْر قَد هَدَم أَرْكَانِي .
اِحْتَضَنَت أُخْتِي وَهِي بِحَالِه اِنْهِيَار ، دُمُوعِي لَم اتمالكها فَاضَت ألماً ووجعاً ، هَكَذَا أُضِيفَت أُخْتِي لقائمة الثكالى وَسَجَّل النِّسَاءُ اللَّاتِي لَا يُعْرَفْنَ مصيرهن .
بقلمي . . . مُحَمَّد الباشا/ الْعِرَاق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق