بين الحب والواجب"
19.3.2021
أعلن الملك بأنه سيزوج ابنته الوحيدة للشاب الذي يقدر أن يغلبه في لعبة الشطرنج، شريطة أن توافق الاميرة على الشاب الفائز...
الملك كان واثقاً بانه لا يوجد في المملكة له غالب... وأراد أن يؤكد لشعبه بانه هو الأقوى وهو الأعظم...
جاء موعد المباريات، جلس الملك على الكنبة الملكية، وجلست ابنته الاميرة رائعة الجمال بجانبه، وجلس الحكام في أمكنتهم المخصصة...
أخذ المتبارون يدخلون تباعاً إلى الصالة، الواحد بعد الآخر، وسرعان ما يتغلب الملك على خصمه، ويخرج الخاسر من القاعة ليدخل لاعب آخر، ولكنه سرعان ما كان يخرج هو الآخر مكسور الخاطر...
أخيراً دخل شاب اسمر وسيم. شكله مميز، وعيناه تشعان بالذكاء، وابتسامته هادئة، وكان وضحاً بأن ثقته بذاته كبيرة...
جلس الشاب مقابل الملك، أعلن الحكام بداية المباريات حرك الملك (البيدق) كنقلة أولى افتتاحية، سرعان ما رد الشاب بنقلة مقابلة، ودارت اللعبة بين كر وفر والسكون يلف القاعة.
شعر الملك لأول مرة بانه أمام خصم عنيد وقوي...
الشاب كان يسرق نظرات إلى الأميرة، هاله جمالها وأنوثتها. والاميرة كانت تسرق نظرات إلى الشاب وانبهرت في جماله ورجولته وثقته بنفسه...
أخذ الشاب يحاصر الملك، وصار العرق يتصبب من جبين الملك، كيف يخسر وهو الذي لا يهزم، كيف ينهزم أمام شاب لا يعرفه البتة، ولا حتى سمع به من قبل، وهو يعرف ابطال الشطرنج جميعهم في المملكة...
الاميرة انفطر قلبها بجمال الشاب، ونظراته الذكية وثقته بنجاحه، وبفوزه الأكيد. ولأول مرة تتمنى الاميرة أن يخسر والدها فعلاً مباريات شطرنجية أمام هذا الشاب الوسيم، لأن الشاب أعجبها ولمس شغاف قلبها...
لا اريد أن أطيل عليكم أصدقائي واصفاً لكم حالة الملك عندما كان يخسر أحد احجاره، وهو غير قادر على رد الهجوم المركز عليه من هذا الخصم الغريب...وأخيرا حرك اللاعب حجرا وقال للملك: كش شاه. وفشل الملك المحاصر أن يرد على هجوم خصمه المركز.
أعلن الحكام خسارة الملك، ساد صمت طويل، ووجوم في القاعة، لكن الشاب والاميرة كانا يتبادلان نظرات الحب، بادياً عليهما السرور والرضى، وقررت الأميرة الموافقة على الاقتران بهذا الشاب كان من كان، الذي خطف قلبها وهي لا تعرف حتى اسمه...
جلس الملك صامتاً، والعرق يتصبب من جبينه، حتى استطاع أن يلتقط أنفاسه... ثم التفت نحو ابنته مستفسراً آملا أن ترفض ابنته هذا الغريب. الذي لا أحد يعرفه.
لكن الأميرة هزت برأسها بدلال وغنج وقالت أنا موافقة.
قال الملك للشاب: الاميرة موافقة، لك الحرية، بالزواج من ابنتي، أو الحصول على مبلغ كبير من الذهب...
قال الشاب، يا للأسف، أنا لم أحلم يوماً بالزواج من اميرة مثل هذه الاميرة رائعة الجمال، ولست طالبا للنقود أو محباً له.
يا ملكنا، أنا اريد قمحاً لأبناء قريتي الجياع...
لا ينفعنا الحب في زمن الجوع...لكن واجبي تجاه شعبي أقوى من قلبي وذاتي... ألم يقل لنا الرب بأن بذل الذات من أجل الأخرين هو أعظم الوصايا وأنبلها...
لاحظ الملك شحوب وجه الأميرة، وأحمر وجهها خجلاً وأسفاَ.
وساد صمت بالقاعة، بانتظار ماذا سيحدث، نهض الملك بعدها وجاء نحو الشاب: وقبله وقال له كم أنت شهم وشجاع. سأعطيك القمح. وسأزوجك ابنتي وستسكن في قصري أميراً تساعدني في إدارة البلاد...
فرح أهل ضيعة الشاب، لأنه أنقذهم من الجوع، وفرحوا لأن واحداً منهم صار في البلاط الملكي مسؤولا ومرشحاً ليكون الملك التالي.
أثبت هذا الشاب الغريب حكمة وسداداً بالرأي، جعل مجلس الشيوخ يأخذون برأيه...
وعاش الشاب مع الأميرة قصة حب حقيقية، وكان اولادهما يملؤون حديقة القصر بصيحاتهم العذبة...
بعد سنوات، أخذ الله أمانته ملك البلاد، واختار مجلس الشيوخ بالإجماع زوج الأميرة ملكاً، وزغردت البلاد كلها، واستبشرت خيراً... لأن الحاكم الجديد يفعل الخير لشعبه قبل ذاته، ويفضل الواجب على الحب...
هذا الانسان يستحق الحب.
كاتب القصة: عبده داود
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق